آخر تحديث :Thu-18 Apr 2024-08:25PM
جامعة عدن

ارشيف الاخبار

في رثاء الولد لأبيه

2018-03-17

موقع جامعة عدن الإلكتروني

 


واعد أحمد صالح منصر

 

هل يمكن للولد رثاء أبيه ؟


منذ تسع سنوات وأنا أحاول الإجابة عن هذا السؤال .. حاولت مراراً وتكراراً الكتابة عن أبي، وفي كل مرة هممت للكتابة أتوقف عند الحروف الأولى من كلمة أبي..  فكلمة أبـــي تستوقفني ... وكأن قلمي لا يعرف من حروف الهجاء إلا الألف والباء والياء .. هي حروف الإجلال والإكبار هي حروف أبـــي ... تختفي الكلمات كاختفاء القمر وتلاشي النجوم في الليلة الظلماء، وأعجز عن إستحضار جُملة أو كلمة واحدة استهلُ بها الكتابة والتعبير عن ما يجول في خاطري من شوق وحب لايعلمه إلا الله عز وجل .. تتوقف بي الدنيا .. بل تُشل حركة يداي وقدماي .. وتتعطل حواسي جميعها وتبقى لي ذاكرتي فقط ... أعـــــود بها إلى أبــــــي ... أراه من خلالها وكأنه في الأمس بيننا .. أرى وجهه وقد أنهكه المرض والتعب وثغره باسماً راضياً صابراً غير شاكيا ً.. أراه وعلى الرغم من مرضه، مجتهداً لتقديم العون لكل من حوله .. العون لأسرته في البيت، لطلابه في الكلية، لزملائه في العمل، ولأصدقائه في كل مكان.


 

أعود بذاكرتي إلى أبي ... وأتذكر كيف أذهب إليه حاملاً هموم الدنيا كلها وهو جالساً في غرفة نومة في بيتنا المكون أساساً من ثلاثة غرف، كان رحمة الله عليه يتخذ الزاوية اليمنى للغرفة مجلساً له... أراه جالساً متوسطاً أكواماً من الكُتب والمجلات العلمية والثقافية والسياسية التي حرص في حياته على متابعتها وقراءتها بانتظام مثل سلسلة عالم المعرفة ووجهات نظر والعربي و المستقبل العربي ونزوى و الموقف و الثقافة العالمية ... وغيرها الكثير ... أتذكر كيف يستقبلني ببشاشة وجهه و ابتسامته المعروفة، مهتماً و مستمعاً لحديثي بإنصات، تاركاً مُجالسة أحب مافي نفسه ( الكتاب)، جابراً لخاطري معززاً لثقتي .. هذا الفعل كان كفيلاً بإزالة كل همومي، وأقسم بالله أنني أشعُر بعدها براحة لا أجدها فى كل الدنيا... أبـــي هو من نُشعر معه بالأمان فهو من يمسح عننا الآلام، يعرف ما يُسعدنا دون أن ننطق به ويتفانى فى تحقيقه لنا.. أتذكر وأتذكر .. كيف يعلم مايؤلمنا ويجاهد رحمة الله عليه فى إزالته عنا.. كيف أكتب و أرثِ رجل عظيم مثل أبـــي؟.. بالله عليكم كيف أرثِ رجلاً من الله عليه بصفات لم أجدها في جميع من حولي.


 

أتذكر وأتذكر أبـــي .. أتذكر منهجه في الحياة .. وكيف تعلمته منه بطريقة عملية تجريبية كان هو نفسه تطبيقها وبُرهانُها، علمني في سلوكه ان الحقيقة غاية كشمعة مضئية في ظلام دأمس .. علمني ان الظلم ظلمات ودروبه سوداء معتمة وهو مقتل الرجل ومروءته .. علمني أن رفعة الرجل في تواضعه وأن جهله في تكبره .. علمني من خلال تعامله اليومي مع الناس في الشارع وفي مكتبه أن سر الرجل بين فكيه فالكلمة نور والكلمة ظلام فبكلمة تحيي وبكلمة تميت .. أستحلفكم بالله.. كيف أرثِ أبـــي !!! كيف أبر أبـــي ؟!!  وقد كان البر منه أبتداءا !!!

 

عجزت عن رثاء أبي،.. تسع سنوات منذ يوم رحيله الفاجع، في ال 17 مارس 2009م، وأنا أحاول الكتابة عنه .. عجزت عجزت .. بالفعل عجزت .. اتساءل من أنا؟ حتى أكتب عن رجلاً أجمع الناس على خصاله وصفاته الحميدة التي ينذر ماتجدها مجتمعة، فاجتمعت فيه .. كيف أكتب عن رجلاً وصفه خاصة الناس وعوامهم من سياسيين وأكاديميين وقادة وإعلاميين وطلاب وموظفين وغيرهم .. وصفوه بالتواضع والنبل والحكمة والحلم والزهد ونكران الذات، وصفوه بالقيادي والإداري والمناضل الأكاديمي والعالم والمفكر، بالمخلص والوفي والصادق، وصفوه بالملهم والمرشد والنبراس، بالخير والمضياف ومنبع الجود، بالأب والأخ والصديق، وصفوه برائد التنوير ومدرسة الأخلاق، قالوا أنه ينصر الضعيف وينصف المظلوم،  قالوا أن له شخصية كاريزمية بامتياز، وصفوا حياته بالبطولة والإقتدار ومماته وقوفاً كالأشجار... ياااااااااالله.. أخاف أنا، نعم أخاف، أخاف ان أكتب فلا أوفيك حقك يا أبي...*


اللهم اغفر لأبي و ارحمه وعافه و اعفو عنه و اكرم نزله ووسع مدخله و اغسله بالماء والثلج و البرد ونقه من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره و أهلاً خيراً من أهله و زوجاً خيراً من زوجه، اللهم أدخله الجنة اللهم أدخله الجنة اللهم أدخله الجنه و أعذه من عذاب القبر و عذاب النار، اللهم يمن كتابه و هون حسابه و لين ترابه و طيب ثراه و أكرم مثواه و أجعل الجنة مستقره و مأواه، اللهم إنه في ذمتك و حبل جوارك فقه من فتنة القبر و عذاب النار أنت أهل الوفاء أنت أهل الوفاء أنت أهل الوفاء و الحق فأغفر له و أرحمه إنك أنت الغفور الرحيم، اللهــــم .. أنزله منزلاً مباركاً و أنت خير المنزلين، و أنزله منازل الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً ، اللهــــم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ، اللهــــم افسح له في قبره مد بصره ، و افرش قبره من فراش الجنة ، اللهــــم أعذه من عذاب القبر ، و املأ قبره بالرضا و النور ، و الفسحة و السرور... اللهم إنا دعوناك دعاء من يرجوك و يخشاك و ابتهلنا إليك ابتهال من لم يخطر بباله سواك و رحمتك تسع من أطاعك منا و من عصاك.. اللهم إننا إلى سعة عفوك مددنا أيدينا فلا تولنا الحرمان و لا تبلنا بالخيبة والخسران يا سميع الدعاء يا أرحم الراحمين.. و الحمد لله رب العالمين و صلي اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه والتابعين*

 

واعد أحمد صالح منصر