آخر تحديث :Wed-24 Apr 2024-09:58PM
جامعة عدن

ارشيف الاخبار

(كلية الحقوق) في الذكرى السادسة والثلاثين لنشوئها

2014-10-20

موقع جامعة عدن الإلكتروني



كتب/ أ.د. عبدالوهاب شمسان الحكيمي (عميد كلية الحقوق بجامعة عدن):

 

إن بناء المجتمع الحديث يتطلب منا الاهتمام بالبناء المعرفي للمجتمع والذي يُعد التعليم بكافة مراحله وفي مقدمته التعليم الجامعي، أهم ركائزه الأساسية، ولذا من الضروري أن تُكرس الجهود والطاقات اللازمة لتحقيق طفرة نوعية في التعليم وصولاً إلى الارتقاء المطلوب، لمواكبة التطور التكنولوجي والعلمي الهادف الارتقاء في التعليم سعياً إلى تعزيز خدمة التنمية الشاملة وقضاياها في المجتمع.

وتحقيقاً لذلك تعمل الدول وبغض النظر عن أنظمتها السياسية على تأسيس وإنشاء الجامعات هادفة من جراء ذلك خلق جيل متسلح بالعلم والمعرفة وبكل جديد يفي بمتطلبات التطور والازدهار والرقي بهذه الدولة، واليمن إحدى هذه الدول التي سارت في الاتجاه المطلوب عند قيامها بإنشاء الجامعات اليمنية ومنها جامعة عدن عام 1970م.

وتمشياً مع ذلك ونحن اليوم نحتفل بالذكرى السادسة والثلاثين لنشوء كلية الحقوق جامعة عدن عام 1978م، التي لعبت ولا تزال تلعب دوراً هاماً في تأهيل الكوادر القانونية اللازمة لسد حاجات ومتطلبات المجتمع من القانونيين، فقد تخرج منها ما لا يقل عن خمسة عشر ألف كادر قانوني يحمل شهادة البكلاريوس في القانون وما يقرب من ثمان مئة طالب يحمل شهادة الماجستير وعدد عشرون طالباً شهادة الدكتوراه.

من ذلك يمكننا القول أنه لا يستطيع أحدنا أن يختلف مع الكثير مما قيل وما كتب حول العوائق والشوائب التي يعاني منها التعليم العالي في الجامعات اليمنية عموماً، سواءً بالنسبة للحاجة إلى تحسين كيفيته ونوعيته أو ملائمته لمتطلبات المجتمع والعصر والمستقبل، أو مهامه الأساسية للتدريب والتثقيف والبحث، أو بالنسبة للحاجة إلى الإصلاحات الإدارية والتنظيمية وإلى الدعم المالي من مختلف الجهات.

لذا فإن كثير مما يثار بأن التوسع السريع في التعليم ينطوي حتماً على قدر من مُبادلة الكم بالكمية، وبالتالي يمكن القول في هذا الجانب أن التوسع السريع في التعليم العالي في اليمن كان لا بد أن يؤدي إلى تدهور في النوعية، وهذا يتضح جلياً في عدد الجامعات الحكومية (خمسة عشر جامعة) وثلاثة أضعافها من الجامعات الأهلية. حيث نجد ان المستوى العام وخصوصاً في الكليات النظرية أقل مما يجب أن يكون عليه وأقل من الدول المتقدمة.

ولهذا يمكننا الإشارة هنا إلى أنه ليس المطلوب فقط الحفاظ على المستوى، ولكن الارتفاع به أيضاً، لأن المستوى العام للتعليم الجامعي فعلاً قد هبط، ولذا فالمنطق يقتضي أن يتحسن المستوى تدريجياً في كل عام عن الذي سبقه، ويتأكد ذلك في بعض الكليات في الجامعات اليمنية التي شهدت هبوطاً حاداً في المستوى نظراً لزيادة الطلاب دون أن توازيها زيادة في الإمكانات.

ومن المهم التأكيد هنا في هذا الجانب إلى أن سمات مؤسسات التعليم العالي تفرض مشكلة مختلفة عن تلك التي كانت تشكو منها اليمن في الماضي، أي غياب مؤسسات التعليم العالي، فالمشكلة الأن هي وجود مؤسسات للتعليم العالي، قد تكون ضخمة الحجم، ولكنها متدنية الكفاءة، قليلة الإنتاجية المعرفية وضعيفة العائد الاجتماعي، وبالطبع فإن هذه مشكلة أعقد من غياب المؤسسات، فالخبرة الدولية تؤكد وتبين بجلاء أن إصلاح مؤسسات التعليم القائمة أصعب بكثير من بناء أخرى جديدة أفضل.

لذلك فإننا في كلية الحقوق وجدنا أنه وعلى الرغم من التطور الذي شهدته وتشهده جامعة عدن عموماً وكلية الحقوق على وجه الخصوص في ضل قيادة متمكنة وجادة يرأسها الأستاذ الدكتور/عبدالعزيز صالح بن حبتور-رئيس الجامعة، أن ذلك يجب أن لا يلهينا عن إدراك أن تقدم العملية التعليمية وتطورها لا يتم إلا من خلال التنقيح المعرفي المستمر لمحتوى البرامج الدراسية والمناهج المحددة لبرامج البكلاريوس والماجستير والدكتوراه، وتطويرها والعمل على استحداث أساليب ووسائل جديدة متطورة تتواكب مع ما يعتمل في الواقع الفعلي للجامعات المتطورة التي سبقتنا في هذا المجال وبما يلبي حاجاتنا في تحقيق ضمان الجودة والاعتماد الأكاديمي.

وبالطبع وهذه مسألة بديهية لا يمكن نكرانها أو القفز عليها، فهناك صعوبات وعراقيل عديدة جابهتنا خلال ستة وثلاثون عاماً ولا زالت بعضها قائمة على الرغم من الخطوات الإيجابية الناجحة للبرامج الدراسية في الكلية. لذا وبهدف إزاحة تلك العراقيل والهنات نعمل اليوم على تقييم مسيرتنا الأكاديمية في كافة البرامج، وذلك من خلال عقد ورشة علمية تقييمية بهدف الإسهام الجاد في إصلاح وتطوير تلك البرامج في الكلية عبر التوجهات التالية:

- زيادة التمويل الحكومي والمجتمعي للتعليم العالي، خاصة وأن ذلك يوفر للدولة مبالغ كبيرة جداً باستيعاب التأهيل الداخلي لأعداد كبيرة من الكوادر بدلاً عن الإيفاد الخارجي، لذلك وبما أن الدولة مسؤولة عن بناء رأس المال الإنساني بأشكاله كافة مع استبعاد حافز الربح من ميدان التعليم العالي، فلذا عليها الاهتمام بذلك.

- تقليل الاستيعاب في مؤسسات التعليم العالي القائمة مع تحسين الإمكانات والتجهيزات للتدريس والبحث، وبوجه خاص في فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية، وتلك التي تزداد البطالة بين خريجيها، بحيث يقوم تناسب أفضل بين الإمكانات المتاحة وأعداد الطلبة في إطار خطة طويلة الأجل لتطوير مؤسسات التعليم العالي.

- تنقية هيئات التدريس ووضع برامج فعالة لتطوير قدراتهم، فنحن ليست لدينا مشكلة من حيث عدد المؤهلين بشهادات عليا، ولكننا نعاني من ضعف قدرات بعضهم، وهذا يتطلب وضع برامج تدريبية وتأهيلية وتطويرية في الداخل والخارج.

- إعادة النظر في هياكل وبرامج مؤسسات التعليم العالي القائمة، بما يؤدي إلى تفادي التكرار النمطي في نسق التعليم العالي ككل، والتحول نحو نمط التعليم العالي المرن، المواكب لاحتياجات التنمية بالتعاون مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. حيث يستهدف إعداد أفراد قابلين للتعلم المستمر، عوضاً من مجرد مُتعلمين، وان يساهم عضوياً في نهضة المُجتمع وتطوره وازدهاره.

إننا اليوم ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والثلاثين لنشوء كلية الحقوق، نستطيع القول أنه وعلى الرغم من نجاحات الكبيرة التي حققتها الكلية في تأهيل كوادر قانونية رفيعة المستوى، أصبحت اليوم تحتل مواقع هامة في أجهزة الدولة المختلفة وفي القضاء والنيابة العامة والمحاماة وغيرها من المهام القانونية، إلا أننا نطمح إلى تحقيق المزيد من النجاحات، حيث نرى أنه علينا أن نقف وقفات جادة ودورية لمعالجة الإرباكات المختلفة وتجاوز السلبيات والنواقص مهما كانت، والعمل على استحداث طرائق تحسين آليات إدارية وأكاديمية لخدمة العملية التعليمية والبحثية وصولاً إلى تحقيق نظام الجودة والاعتماد الأكاديمي.

في الوقت نفسه يمكن القول بأن كلية الحقوق واستيعابا منها لدورها العلمي والأكاديمي لم تُغفل أو تتناسى دورها التنويري في خدمة المجتمع ونشر الوعي القانوني والقضاء على التخلف الفكري والإدراكي للقانون وأثار تطبيقه سلباً وإيجاباً، وذلك عن طريق المشاركة والمساهمة الفاعلة لأعضاء الهيئة التدريسية في المؤتمرات والندوات والورشات العلمية والتدريبية التي تنظمها منظمات المجتمع المدني أو جامعة عدن أو تلك الفعاليات التي تنظمها الكلية بصورة ذاتية، وكذا من خلال مركز دراسات شؤون اللاجئين والنازحين في الكلية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عدن.

إنه وعلى الرغم من أن التخلف ظاهرة طبيعية في كل مجتمع وفي كل عصر يتواجد بدرجات متباينة كقوة معادية لأي تغيير أو تطوير، حتى ولو كان تغيراً وتطويراً لمصلحة المتمتعين به، إلا أن مهمتنا ومهمة جامعة عدن عموماً هي خدمة المجتمع والعمل على تطوير الإنسان وإخراجه من نفق التخلف المظلم لما فيه رفع شأن ورُقي اليمن في مصاف الدول الأخرى.

فنحنُ اليوم في عالم يدار عن طريق تكثف التخصص بوجه السرعة، فما كان بالأمس موضوعاً خاصاً، أصبح الأن عاماً بعد تجزئته، فأصبح كل جزء يمكن أن يكون له تأثير إما سلبي أو إيجابي على بقية الأجزاء. الأمر الذي يفرض علينا اليوم العمل وبذل الجهود الطيبة للقضاء على التخلف القانوني والعمل وبكل الطاقات الكامنة لدينا إلى جانب الخيرين من القانونيين الغيورين على تعزيز مكانة القانون وإصلاح القضاء، فقوة الإصلاح تعتمد على مدى الإيمان به، وتنطلق نحو مواصلة أمجاد الأباء والأجداد، على أن يكون جامعها الأكبر ووعاؤها النهائي هو الوطن دون سواء، وحيث تُصبح مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار، والعمل على دراسة وتحليل المعضلات والمعوقات القائمة للأوضاع المتردية في القضاء والتي تُعد من أكبر  بل ومن أعقد معوقات بناء دولة النظام والقانون في بلادنا.

الأمر الذي يتطلب منا العمل ومن خلال تكثيف الجهود الدؤوبة والمستمرة على تقريب وجهات النظر بين القائمين على تدريس القانون والذين يطبقونه عملياً ويمارسونه في الواقع بهدف تضييق الهوة بين النظرية والتطبيق للقانون، وكذا الكشف عن المعوقات والأسباب الرئيسية التي تحول دون تطبيق القانون، الأمر الذي سيكون له انعكاسه الإيجابي وتجاوز الثغرات والنواقص والعيوب في القانون عند التشريع، كما وتسهل في الوقت نفسه للقضاء أداء مهمته بالصورة المُرضية مُجسدةً وعلى الواقع خدمة الإنسان والحفاظ على حقوقه وحرياته وإنسانيته.